هذا الصحابي الجليل قال في حقِّه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم
(( لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ )) .
أخرجه البخاري عَنْ أَنَسٍ في الصحيح
أسمه
هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال
بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر
بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار
بن معد بن عدنان ، القرشي الفهري المكي
يجتمع في النسب هو والنبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك ،
شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ،
وسماه أمين الأمة ، ومناقبه شهيرة جمة .
صفته
كان رضي الله عنه وضيء الوجه ، بهيَّ الطلعة، نحيل الجسم ،
خفيف اللحية ،طويل القامة ، خفيف العارضين ترتاح العين لمرآه ،
وتأنس النفس للقياه ويطمئن إليه الفؤاد .
وكان إلى جانب ذلك رقيقَ الحاشية .. جمّ التواضع .. شديد الحياء
لكنه إذا حزب الأمر وجد الجد يغدو كانه الليثُ عادياً.
فهو يشبه نَصْلَ السَّيف رونقاً وبهآء و يَحْكيهِ حدَّةً ومِضآء .
نَعتهُ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال ( ثلاثة من قريش أصبحَ الناس
وجوهاً وأحسنهم أخلاقاً إن حدثوك لم يكذبوك وإن حدَّثتَهم لم يكَذِّبوكَ :
أبو بكر الصدَّيق ، عثّمان بن عفَّان ، وأبو عبيدة بن الجراح ) .
إسلامه
من السابقين ألأولين إلى الإسلام أسلم على يد أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
مكانته
|| أمين الأمة || ~ قدم أهل نجران على النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يُرسل
إليهم واحداً
فقال عليه الصلاة والسلام : " لأبعثَّنَ -يعني عليكم- أميناً حق أمين " ..
فتشوَّفَ أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يُبعثوا لا لأنهم يحبُّون الإمارة
أو يطمعون فيها.. ولكن لينطبق عليهم وصفُ النبي صلى الله عليه و سلم
"أميناً حقُّ أمين" .. وكان عمر نفسه رضي الله عنه من الذين حرصوا على الإمارة لهذا آنذاك
بل صار -كما قال يتراءى- أي يُري نَفسه – للنبي صلى الله عليه وسلم- حرصاً منه -رضي الله عنه- أن يكون أميناً حق أمين
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم- تجاوز جميع الصحابة
وقال : قم يا أباعبيدة .
البخاري
كان من أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ : قُلْتُ لِعَائِشَةَ _ رضي الله عنها _
أَيُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ؟
قَالَتْ : أَبُو بَكْرٍ ، قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَتْ : عُمَرُ ، قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟
قَالَتْ : ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟
قَالَ : فَسَكَتَتْ " [ رواه الترمذي وغيره وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني ] .
وقد كانت له مكانته عند عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ وَرَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمَا قَالُوا : لَمَّا بَلَغَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
سَرْغَ حُدِّثَ أَنَّ بِالشَّامِ وَبَاءً شَدِيداً ، قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ شِدَّةَ الْوَبَاءِ فِي الشَّامِ ،
فَقُلْتُ : إِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ حَيٌّ اسْتَخْلَفْتُهُ ،
فَإِنْ سَأَلَنِي اللَّهُ : لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ؟
قُلْتُ : " إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ أَمِيناً ،
وَأَمِينِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ " فَأَنْكَرَ الْقَوْمُ ذَلِكَ ،
وَقَالُوا : مَا بَالُ عُلْيَا قُرَيْشٍ يَعْنُونَ بَنِي فِهْرٍ ؟
ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي وَقَدْ تُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ ، اسْتَخْلَفْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ،
فَإِنْ سَأَلَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ : لِمَ اسْتَخْلَفْتَهُ ؟
قُلْت : " سَمِعْتُ رَسُولَكَ صلى الله عليه وسلم
يَقُولُ : " إِنَّهُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَي الْعُلَمَاءِ نَبْذَةً وفي رواية رتوة
_ يعني يسبقهم بمد البصر _ " [ رواه أحمد ] .
مناقبه
في غزوة بدر أنزل الله في شأنه وشأن أبيه قرآناً حيث عانى أبو عبيدة
في غزوة بدر من محنة فاقت كل حسبان ،حيث انطلق يوم بدر يصولُ
صولةَ من لا يهاب الردى ، فهابهُ المشركون ويجول جولةَ من
لا يخافُ الموت فحذرهُ فرسانُ قريش حتى جعله ..،
و يتنحَّون عنه كلما واجهوه ، لكنَّ رجلاً واحداً جعل يَبرزُ لأبي عبيدة
في كل إتجاه فكان أبو عبيدة يتحرَّف عن طريقه ويتحاشى لقائه،
لكنَّ الرجل وقف ليسدَ عليهِ المسالك
ويقف حائلاً بينهُ وبين قتال أعداء الله ، فلما ضاق بهِ ذرعاً ضربه ضربةً
بالسيف فلقت هامته فلقتين وخرَّ صريعاً بين يديه ،
ولأن جئنا لنتعرف على هذا الرجل الصريع ليهالنا عُنفُ التجربةِ التي مرَّ
بها أبوعبيدة وصبرهُ على الإبتلاء الذي فاقَ حدَّ الخيال ،
فلقد كان هذا الرجل الذي كان يتحاشى قتاله ومواجهته هو عبد الله بن الجراح والده !!
فأنزل الله تعالى قوله :" لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ
مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ
أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ
أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ". [ المجادلة 22 ]
ولم يكن أبو عُبيدةَ رضي الله عنهُ أميناً فقط بل كان يجمعُ القوةَ إلى الأمانةِ
وقد برزت هذه القوة في أكثرَ من موضع ..ففي || يومِ أُحدْ || .. حين هُزِمَ المسلمون
وطَفقَ صائح المشركين ينادي ..
دُلُّوني على محمد .. دُلُّوني على محمد ، كان أبو عبيدةَ أحد النفر العشرة
الذين أحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم ليذودوا عنه بصدورهم
رماح المشركين .. فلما إنتهت المعركة كان الرسول صلى الله عليه وسلم
قد كُسرت رباعيته وشُجَّ جبينه وغارت في وجنتهِ حلقتان من حلق درعِهِ ،
فأقبل عليه الصديق يريد إنتزاعهما من وجنته ، فقال له أبو عبيدة : أقسم عليك
أن تترك ذلك لي ..فتركه ، فخشي أبو عبيدة إن إقتلعهما أن بيده أن
يؤلم رسول الله ، فعضّأ عليهما بثَنيَّتيه حتى إقتلعهما وسقطت ثنيتا أبا عبيدة …
قال أبو بكر " فكان أبو عبيدة من أحسن الناسِ هَتَماً " . الحاكم وابن سعد
ولقد شهد أبو عبيدة المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم ..
ولمَّا بويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة كان خير نصيحٍ له
و أكرمَ مِعوان على الخير ، ثم لما تولى الفاروق الخلافة دان له بالطاعة
ولم يُخلف له أمراً إلا مرةً واحدة ً .
غزوة الخبط
أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- أباعبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة
وبضعة عشرة مقاتلا ، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر ،
والسفر بعيد ،فاستقبل أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني ،
وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم حفنة تمر ،
وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم ، وعندما فرغ التمر
راحوا يتصيدون ( الخبط ) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه
ويشربون عليه الماء ، غير مبالين الا بانجاز المهمة ،
لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط .
معركة اليرموك
في أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية الرومانية ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد وصل الخطاب الى أبى عبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد : يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟) فأجاب أبوعبيدة ( اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة ) .
وأصبح أبوعبيدة أمير الأمراء بالشام.
ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ،
فجمعهم وخطب فيهم قائلا ( يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ،
وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني بتقوى الا وددت أني في اهابه !!)
وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له : من ؟
قال : أبوعبيدة بن الجراح .وأتى أبوعبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه الى داره ،
فلم يجد فيها من الأثاث شيئا ، الا سيفه وترسه ورحله ،
فسأله عمر وهو يبتسم : ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟! .
فأجاب أبوعبيدة : يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل .
حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبوعبيدة أمير الجند
هناك فخشي عليه عمر من الطاعون.. فكتب اليه يريد أن يخلصه منه
قائلاً ( إذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح إلا متوجهاً إلي
واذا وصلك في الصباح ألا تمسي ألا متوجهاً إلي فإن لي حاجة اليك) .
وفهم أبوعبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وأنه يريد أن ينقذه من الطاعون
فكتب الى عمر متأدباً معتذراً عن عدم الحضور إليه
وقال ( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وإنما أنا
في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم.. فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين)
ولما وصل الخطاب الى عمر بكى.. فسأله من حوله : هل مات أبوعبيدة ؟
فقال : ( كأن قد ) " الحاكم "
والمعنى أنه اذا لم يكن قد مات بعد وإلا فهو صائر الى الموت لا محالة
إذ لا خلاص منه مع الطاعون ..
كان أبو عبيـدة -رضي الله عنه- في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ،
فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا..
مات أبوعبيـدة -رضي الله عنه- سنة (18) ثماني عشرة للهجرة
في طاعون عمواس وقبره في غور الأردن..
رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى.