البداية كانت نسمة حب .. تعهدناها بالأخوة لتصبح زهرة صغيرة ناعسة .. وبدأت بالتفتح شيئا فشيئا كلما ازددنا حبا و ترابطا..
آه و ألف آه .. كل شئ يلُفنى وضعتي بصمتك عليه ..لإيقانك التام بقصر حياتك ..
أود أن أكتب ..أن أسطر ذكرياتنا لكنها كثيرة .. لا أعرف أيها اختار ..ولكنني سأبدأ برواية قصتك..لن تفيدني بشئ بل ستزيد الجراح أضعافا مضاعفة .. ولكن كي ينظر الباقون إلى عظم شخصيتك التي حفرتي بها تمثالا من ذهب ..لكي تبقي خالدة في القلوب..
في ذلك اليوم الهادئ كنا نجري سويه..لمعة تبرق بأعيننا هي لمعان الحب البرئ ..حينما أتى والدك ليحضنك من الخلف ويقبلك في عنقك ..وجد ذلك الإنتفاخ ..اعتقد انه داء السل في البداية .. حمل نور عينية و أول فرحة لقلبه .. أول من نطقت بابا ..أول من حمل أسمة ..حملها إلى المستشفى .. الكثير من الأطباء والأكثر هم المرضى ..والأكثر هو ذلك القلق الذي اعتصر قلبه .. كشف عليها الطبيب .. وجد انه ذلك الداء اللعين الذي لا يرحم .. ولكن براءتك لم تعلم ما هو؟ .. ولم تعلم درجة خطورته…أما والدك ..أحس وكأن خنجرا طعن قلبه.. الذي طالما حمل بداخله ليس الحب فقط بل أحرفه و معانيه كلها ..امسك رأسه بكلتا يديه و أسند رأسه للحائط وهو ينظر إلى السماء .. سائلا ربه الإغاثة .. والدموع قد بللت ثيابه … خرج من عند الطبيب الذي ربّت على كتفه قائلا .. الأمل بما عند الله كبير ..اصطحب ذلك الملاك الهادئ من عند الأخصائية النفسية التي أوضحت لها مرضها و طبيعة علاجه ..حاول ان يخفى دمعاته وحزنه عن صغيرته ..التي بادرته بسؤالها ..أصحيح بأننى سأستعمل الكيماوي .. وسيتساقط شعري ..؟؟… كان ذلك السؤال بمثابة إشعار الفتيل لدمعاته و مضى تاركا إياها خلفه ..وفى السيارة عاودت أسئلتها بكل براءة رغم الخوف الذي بدا واضحا في عيناها العسليتان ..نظر إليها والدها … لحظة صمت غشت عليهم تحدثت خلالها الأعين ونبضات القلوب … لفت نَظرهُ يداها المتشابكتان قلقاً وخوفاً..فاحتضنها بقوة شديدة تمازجت خلالها الدموع…
في البيت اخفي كلاً منهما حزنه .. و ذهبا إلى القلب الرؤوم .. إلى تلك التي تقطن الجنة تحت قدميها .. اخبروها وحاولوا التخفيف عنها حينما رأوا شدة حزنها وحرارة دمعاتها المتساقطة كأوراق الخريف… أقنعوها بسهولة مرضها ..و أن نسبة الشفاء عالية .. نظرت إلى ابنتها .. مسحت على شعرها البني المتموج ثم ضمتها إلى صدرها لتسمع نبضات قلبها المفعم بحبها ..ايا بضعا منى .. ايا حبي وملاكي الصغير..يا كل روحي ..يا ضناي الحبيب ….. كان لحن نبضات قلب امها كالبلسم الشافي .. هدأت و ذهبت إلى حجرتها ..امسك والدها بيد امها الرؤوف ..ضغط عليها
بقوة .. يجب الا تنهاري امامها ..يجب ان تكوني قوية ..و أن نتعاون لكي نكون دافعا لها في الأمل و التفاؤل .. مسحت دمعاتها على عجل و ابتسمت وهى تهز رأسها موافقة …
و مضى ذلك اليوم حزينا كئيبا على كل من في المنزل .. حتى على نفسي لا أنكر ذلك الحزن الذي غطى عليها .. ودمعتى التي غطت اليوم كله .. ياله من خبر مشؤوم ..قضى على كل فرحة بداخلى …..
أتعلمين …. منذ ذلك اليوم و أنا اعيش حالة من الصمت و الحزن .. أصبح الفرح بعيداً عنى بُعد المشرق عن المغرب ..
ها هي الأيام تمر .. والشهور تتبعها .. وتلك الفتاة اليافعة النضرة ..أصبحت وليمة سهلة لمرضها الذي بدا واضحا على ذلك المحيا الجميل ….آآآآآه يا غاليتي .. لقد صارع قلبك الصغير من أجل الحياة .. لقد صمدت و ناضلتِ امام ذلك المرض الذي لا يرحم ..
عندما أتذكر تلك الأيام التي كنت تذهبين فيها إلى الأطباء و معاناتك معهم .. حينما أتذكر ذلك فإننى أتجرع مرارة قاسية لا يهونها علي سوى تلك الذكريات الرائعة والتي كانت بمثابة الدواء لي و لكِ … لي لأنها أزالت آلامي بقربك منى .. و لكِ لأنك كنت تذهبين إلى لذلك الشيخ الذي كان يقرأ عليك آيات الله الكريمة .. أتذكرين عندما كان يضع لك تلك الخلطات الغريبة من الثوم والعسل ..و كيف كنت تتجرعينها بمرارة .. أتذكرين؟؟ … ستبقى علامات الإستفهام بلا جواب .. في جنبات الذكريات الحزينة …
وبعد شهرين من وجودك معي .. والتي زرعتِ فيها ذكرياتك في كل مكان .. وكنت تكررين .. تذكريني يا روان ……
عندما وضعت تلك الدبابيس في طرف حقيبتي .. و قلتِ تذكريني .. ما زالت في مكانها و ما زالت ذكرياتك معهــــا …..
و بعد تلك الشهرين ..عدتِ إلى منزلك .. وازدادت حالتك سوءاً .. و ازداد ذلك السعال الذي لم يرحم قلبك الرقيق .
إلى ان أتى قدر الله بأن ينهي معاناتك .. عندما تعبتِ تعباً شديداً ليلة الجمعة ..فنقلك والداك .. حفظهما الله .. إلى المستشفى ..كنتِ تعلمين بنهايتك .. فكنتِ ترددين تلك الهمسات خلف كلمات والدك الحانية ,,استغفر الله
,,, لا إله إلا الله
و عندها فـــــاضت روحك إلى بارئها …
عندما أتاني ذلك الخبر صباح الجمعة ………..
هند مــــــــــــــــــاتت
يا الله .. يالها من صدمة .. أ أبكى؟؟؟ ما جدوى دموعي …. أ أصرخ ؟؟ ليس هذا من شيم المسلمين ..
إنا لله و إنا اليه راجعون ..
بعد ذلك ذهبت إلى جدة .. إلى مكانك الذي لم أذهب اليه إلا لأجلك .. كيف يبدو من دونك؟؟؟ رأيت جنازتك فقبلتك ..لم استطع وقف دموعي.. الكل كان يبكى .. أناس كثيرون متجمهرون حولك.. متأثرون لفراقك ..جو من الحزن عم المكان …
كذلك في منزلكم … رأيت والدتك و إخوتك .. رأيت والدك ومنزلك .. ولم أرك.. لم أرك..
رأيت حجرتك .. ملابسك .. رسائلك.. خزانتك .. و لم أرك ..
عندها استوعبت كلمة >> ماتت << .. عرفت معناها .. و تلك العبرة التي كادت تخنقني .. عندما علمت بخبر وفاتك علمت مغزاها ..كانت دمعاتي تتسابق .. و لكنى جعلت الإيمان نور قلبي …
ما أصابك لم يكن ليخطئك … وما أخطأك لم يكن ليصيبك
.. >وبشر المؤمنين الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون <..
هذا قدر الله الكل فهم هذه الحقيقة .. فكف حزنهم و توقف بكائهم .. ما عدا والدك .. كيف لا .. وانتِ كبرى أبنائه .. انتِ نور عينيه .. و بكره….
لقد حزن عليك حزناً شديداً .. وضع نقطة الختام على آخر بصماتك في المنزل… اقفل خزانتك و وضع عليها ورقة صغيرة قال فيها..
…. في يوم الجمعة .. الساعة التاسعة صباحاً الموافق 21-11-26هـ انتقلت هند أحمد إلى جوار ربها نسأل لها المغفرة والرحمة و أن يسكنها الله فسيح جناته .. إنا لله و إنا اليه راجعون ………
كان خطة حزيناً .. ينم عن عاطفة متلهية داخل صدره .. .. ليس هو فحسب .. كذلك أختك أفنان البريئة .. ما زالت تسأل بشغف .. متى ستعود هند؟؟
كم سنة ستلبث في قبرها؟؟
و أخيك ريان الذي اعتاد ان يناديك.. لا يلبث ان يقول هنــــــ .. فيتذكر . فيعلم انك رحلتي …
و والدتك التي تخفى ذلك الحزن العميق في قلبها … لم تبك في البداية لهول صدمتها و فجيعتها ..
الكل حزن عليك .. أما انا فلا تسألي عن حالي .. سوى اننى أعيش يومي داعية لك بأن يسكنك الله فسيح جناته .. وان يجمعني بك في مستقر رحمته.. في دار الخلود .. حيث لا فراق آخر .. و سنكون هناك معا . . إن شاء الله ..
و الآن …..
لابد أن تقف يا قلمي . فهنا تسكب العبرات ….
ابنة عمك … روان